التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
عظم شأن عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم في قومه وفي مكة، حيث كان كثير الإطعام لأهل مكة والحجيج، وكانت قريش تسمّيه الفَيْضَ لسماحته.
بعد أن حكم قصي بن كلاب الجد الرابع ل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، ابتكر الوظائف الشرفية الستَّة؛ وهي: الحجابة، والسقاية، والرفادة، واللواء، والندوة، والرئاسة، وامتلكها كلها، وقبل وفاته ورث هذه الوظائف كلِّها لابنه عبد الدار دون الابن الاكبر عبد مناف الجد الثالث لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بدوره لم يعترض على ما فعله والده.
بعد ذلك ثارت ثورة بني عبد مناف، وكونوا حزب المطيَّبين، ودفع ذلك بني عبد الدار لتكوين حزب الأحلاف، وانتهاء الأمر بإعطاء السقاية والرفادة إلى بني عبد مناف الذين بدورهم اقترعوا على من يتولى أمرهما، وفي الأخير وصل أمر السقاية والرفادة إلى هاشم الجد الثاني للرسول صلى الله عليه وسلم، مات هاشم بن عبد مناف، وكانت امرأته سلمى بنت عمرو النجارية حامل في طفل في يثرب، وبعد موت هاشم وصلت السقاية والحجابة إلى المطَّلب أخي هاشم، وذلك في مواجهة عبد شمس ونوفل أخويه الآخرين.
حوالي سنة 500 ميلادية وَلدت سلمى بنت عمرو النجارية الخزرجية ولدًا سمَّته شيبة، وذلك لشيبة كانت في رأسه، وقد نشأ ذلك الولد في يثرب.
وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم بنو النجار، وهم قبيلة سلمى بنت عمرو النجارية والدة شيبة، روى البخاري عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ، بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ»، فَقَالَ سَعْدٌ: "مَا أَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا؟ فَقِيلَ: قَدْ فَضَّلَكُمْ عَلَى كَثِيرٍ"[1].
ومن ترتيب ربِّ العالمين لرسوله صلى الله عليه وسلم أن تحدث هذه المصاهرة في هذا التوقيت ليكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدم في يثرب قبل البعثة بعشرات السنين، وهذا القدم في أفضل قبائل يثرب.
وقد قيل إن عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ لَبِيدِ والد سلمى هو أبو كبشة الذي كان القرشيون ينسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه تقليلًا منه، وقيل في أبي كبشة غير ذلك.
قال أبو سفيان يوم كان في حضرة هرقل ورأى تعظيم هرقل لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم: فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: "....لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ. فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ.."[2]، ومع كل هذه الملابسات لم يؤمن إلا بعد ذلك بعام ونصف مضطرًا.
عبد المطَّلب في مكة:
رحل العمُّ المطَّلب إلى يثرب للإتيان بابن أخيه بعد سبع سنوات، ونجح في ذلك، وعندما سألوه في مكة عنه قال هذا عبدي، فعُرف بعبد المطلب، قيل: إن عمّه المُطَّلب جاء به إلى مكّة رديفه وهو بهيئة بذَّة (سيئة)، فكان يُسْألُ عنه، فيقول: هو عبدي، حَياءً أن يقول: ابن أخي، فلما أدخله وأحسن من حاله أظهر أنه ابن أخيه، ولذلك قيل له: عبد المُطَّلب»[3].
انتقال السقاية والرفادة من المطَّلب بعد وفاته إلى عبد المطَّلب:
كان العداء بين المطلب وأخويه عبد شمس ونوفل داعيًا للمطَّلب أن ينقل السقاية والرفادة إلى أخيه عبد المطلب.
انتقال رئاسة بني عبد مناف إلى بني عبد شمس، بدلًا من بني هاشم أو المطَّلب:
بعد موت المطَّلب يبدو أن عبد المطلب كان شابًّا، ولذا انتقلت رئاسة مكة إلى المنافس حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.
استنصار عبد المطَّلب بأخواله بني النجار (الأنصار)!
وقد عدا عمُّه نوفل على أرض له، فاستنصر بأخواله بني النجار فنصروه، فكانوا أنصارًا له، كما كانوا أنصارًا لحفيده النبي صلى الله عليه وسلم لاحقًا!
تقدُّم مكانة عبد المطلب:
فقد عظم شأنه جدًّا في قومه خاصة، وفي مكة بشكل عام، حيث كان كثير الإطعام لأهل مكة والحجيج، وكانت قريش تسمّيه الفَيْضَ لسماحته[4]، وسُمِّي شيبة الحمد لكثرة حمد أهل مكة له، وعندما أراد رجل من بني ربيعة أن ينتقص من أبي بكر في النسب، كان حريصًا على إثبات أن عظماء مكة ليسوا من أجداده، فكان مما قاله: فَمِنْكُمْ شَيْبَةُ الْحَمْدِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مُطْعِمُ طَيْرِ السَّمَاءِ الَّذِي كَأَنَّ وَجْهَهُ الْقَمَر يضئ فِي الليلة الظلماء الداجية قَالَ لَا، يقول حذافة بن غانم العدوي:
بنو شيبة الحمد الذي كان وجهه ... يضيء ظلام الليل كالقمر البدر
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ[5]، أنه أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ؛ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ خَيْرٌ لِقَوْمِكَ مِنْكَ، كَانَ يُطْعِمُهُمْ بِالْكَبِدِ وَالسَّنَامِ[6]، وَأَنْتَ تَنْحَرُهُمْ، قَالَ: فَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ قَالَ: مَا أَقُولُ؟ قَالَ: "قُلِ: اللهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي، وَاعْزِمْ لِي عَلَى رُشْدِ أَمْرِي، فَانْطَلَقَ وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ، ثُمَّ إِنَّهُ أَسْلَمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ فَقُلْتُ: عَلِّمْنِي، قُلْتَ: "قُلِ: اللهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي، وَاعْزِمْ لِي عَلَى رُشْدٍ أَمْرِي" فَمَا أَقُولُ الْآنَ حِينَ أَسْلَمْتُ؟ قَالَ: "قُلِ: اللهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي، وَاعْزِمْ لِي عَلَى رُشْدٍ أَمْرِي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَخْطَأْتُ وَمَا عَمَدْتُ، وَمَا عَلِمْتُ وَمَا جَهِلْتُ[7]، ويبقى من أهمِّ أعمال عبد المطلب الخاصة بقصة الكعبة حفر ماء زمزم[8].
[1] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب فضل دور الأنصار (3578).
[2] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام والنبوة وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله (2782)
[3] ابن الأثير: جامع الأصول، 12/ 87، وانظر: القسطلاني: إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، 6/ 183.
[4] «الطبقات الكبير» (1/ 62 ط الخانجي).
[5] وهو حصين بن عبيد الخزاعي، أسلم هو وابنه وأبو هريرة في العام السابع من الهجرة.
[6] أو يطعمهم الكبدَ والسنامَ.
[7] النسائي: السنن الكبرى، (10764)، وقال الطحاوي: صحيح. شرح مشكل الآثار، ص: 6/347.
[8] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: عبد المطلب ورعاية الكعبة
التعليقات
إرسال تعليقك